أخبار وطنية هل لنداء تونس وحلفائه القدرة على إنقاذ تونس؟
بقلم: محمد المنصف بن مراد
عندما صوّت أغلب النّاخبين لفائدة الباجي قايد السبسي وحزب نداء تونس فقد كانوا ينتظرون نظاما يحافظ على انجازات 50 سنة ويقطع مع كلّ سلبيات الماضي ويرفض رفضا تامّا أيّ تحالف مع حزب النهضة ذي المرجعيّة الدّينية والذي أثبت فشله في تصريف شؤون الدولة.
لقد فوّض هؤلاء النّاخبون لحزب النداء مهمّة الحفاظ على مكتسبات الماضي وأعني هيبة الدولة أولا لأنّ تعامل الترويكا مع المؤسّسات والوزارات كان على أساس الغنيمة والاندساس والاختراق وتعيين الأصدقاء والأنصار وغياب الصرامة في مكافحة العنف والارهاب، كما كانت الإدارة ومازالت تشكو من عدم الانضباط فأصبحت شبيهة ـ نسبيا ـ بالإدارة في ليبيا زمن القذافي.. ولقد ساهم المرزوقي ـ باستقباله لجان «حماية» الثورة والدعاة المتشدّدين وأيضا بلباسه ـ في «تشليك» هيبة الدولة.. ولولا الضمير الوطني والمهني لعدد من الموظفين التونسيين لأصبحت مؤسّسات الدولة ووزاراتها نسخة من نظيرتها في الصومال!
فإعادة الإدارة التونسية الى «السكة» وفرض الانضباط وحمايتها بردع من يحرق المؤسسات ومراكز الأمن والحرس ويعنّف الأطبّاء والموظّفين أو الأمنيين، من أولويات الحكومة المقبلة.
ومن جهة أخرى فقد صوّتت أكثر من مليون امرأة لفائدة نداء تونس ولفائدة أحزاب أخرى على غرار الجبهة الشعبية وآفاق والاتحاد الوطني الحر والمبادرة حتي تكون الحكومة درعا حاميا لحقوق المرأة وتطويرها، ويكفي أن نذكّر هنا بأنّ في الجامعات التونسيّة 204.043 طالبة و127.759 طالبا لندرك أنّ المجتمع التونسي تغيّر كثيرا، والثّابت أنّ أغلب إطاراته ستكون بعد سنوات نساء، وللتذكير أيضا فانّ عدد الطالبات في كليات الطب يساوي 3063 في حين انّ عدد الطلبة هو 134٧ (أرقام 20١4)! فمن يقدر على المساس بحقوق المرأة؟
ومن هذا المنطلق فانّه لا يحقّ لأيّ حكومة ان تهدّد مكاسب المرأة التي تحقّقت بفضل عبقرية الرئيس بورقيبة ومجلة الأحوال الشخصيّة دون نسيان نضالات النساء قبل الاستقلال مثل بشيرة بن مراد وتوحيدة بن الشيخ وغيرهما!
انّ حداثة المجتمع لا يمكن أن يتطاول عليها ايّ كان، مع العلم أن أفرادا وجماعات وأحزابا حاولوا خلال السنوات الأخيرة المساس من مكاسب المرأة والمجتمع التي تحقّقت خلال نصف القرن الماضي، كما يتعيّن حماية قطاع الصحّة والتعليم والسياسة الخارجيّة التي وضع أسسها بورقيبة!
أمّا في ما يخصّ سلبيات الماضي فقد كان بالإمكان بعد الثورة مكافحة الرشوة والتهريب وارجاع الأموال والشركات المنهوبة والقضاء على المحسوبيّة في الوظائف وتحرير قطاع الأمن من تأثير شخص أو حزب أو الفصل بين الحزب والحكومة وفرض القانون وتخليص القضاء من التعليمات وتنفيذ تعليمات السياسيين والعائلات الحاكمة وانهاء التعذيب الممنهج والاهتمام بالولايات المقصية وردع العنف ونشر حرب جدية على الارهاب ووضع حدّ للاثراء الفاحش والسريع للقيادات السياسيّة ومنح الثقافة والمبدعين قيمة ودعم غير مشروط..
لكن خلال 2011 ومن بعدها أصبحت الدولة والمناصب غنيمة يتقاسمها الحكّام وأنصارهم، وباتت الاضرابات تركع الدولة وانتشر العنف والارهاب وتمّ اختراق وزارة الدّاخلية التي انقلبت الى وزارة ترعى العنف وتتستّر على المتشدّدين والارهابيين.. ولولا وطنية أمنيينا وجيش تونس الباسل لحدثت الكارثة.. ولقد شاهدنا المهرّبين والفاسدين وحلفاءهم في الحكومة والأمن «يفتحون» أبواب تونس حتى تنهار الدولة التونسيّة.. أمّا الإعلام فقد تحرّر نسبيا وذلك رغم التهديدات والتعنيف وبعث إذاعات وقنوات شبه ارهابيّة بأموال مشبوهة، ولولا صمود اعلاميين جمهوريين لتحوّل حكم الترويكا الى ديكتاتورية.. وبالنسبة إلى العدالة الاجتماعيّة فلم يهتم بها أحد علما أنّ المهرّبين استمرّوا في سرقة الدولة وتركوا الأجراء ـ وحدهم ـ يساهمون في تمويل الدولة في حين انّ عددا هاما من أصحاب المهن الحرّة ورجال الأعمال تنصّلوا من القيام بواجبهم الجبائي..
واليوم وقد طويت الصفحة فإنّ الديمقراطيين ينتظرون من الحكومة المحافظة على ايجابيات ما قبل الثورة والقطع مع كلّ السلبيات.
كما يتساءل شقّ كبير ممن صوّتوا للسبسي والنداء عن حقيقة ما يروّج حول مشاركة بعض وزراء النهضة في الحكومة.. أنا ليست لي أرقام لكنّي على يقين من أنّ الأغلبية السّاحقة من النّاخبين الذين منحوا أصواتهم لحزب السيد الباجي قايد السبسي يرفضون إشراك حزب النهضة في الحكومة، ولو تمّ ذلك فلن يساندوا هذا الحزب في المستقبل.
..انّ الرافضين لوزراء نهضويين في الحكومة يخشون ان يكون لهؤلاء تأثير على اختيار وزراء الداخلية والدّفاع والعدل، وبذلك تحافظ هذه الحركة ـ ولو نسبيا ـ على أصدقائها الذين اخترقوا هذه الوزارات وكذلك على مصالحها.. ثمّ انّ هناك تخوّفات كبيرة لدى الديمقراطيين من انّ التأثير على اختيار وزراء سيادة «محايدين» قد يسدّ الطريق على اكتشاف كبار المجرمين الذين قتلوا شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وكذلك كبار المجرمين النّافذين في حكومة الترويكا والذين ساعدوا على انتشار الأسلحة والارهاب والفساد وزرعوا داخل وزارات السيادة مديرين ومستشارين وموظّفين في خدمة هذه البرامج الاجراميّة.. أنا لست مع الانتقام والتصفية بل مع جعل الإدارة والأمن في خدمة تونس دون سواها!
ورغم دعم الحكومة الأمريكيّة إشراك النهضة في الحكومة، فانّ الديمقراطيين رافضون لهذه المشاركة ما دامت حركة النهضة لم تقطع مع تنظيم القرضاوي ومع إمارة قطر والامبراطوريّة العثمانية، وطالما أنّها لم تتخلّ عن توظيف دين متشدّد لفائدة غايات سياسيّة..
وللتذكير فإنّ حزب نداء تونس وخاصّة رئيسه أعلنا قبل الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة أنّ لهما رؤية وبرنامجا يتناقضان تماما مع رؤية النهضة وبرنامجها، فكيف يمكن لهما ـ أخلاقيا ـ أن يتراجعا في ما وعدوا به؟
إذا قبل حزب النداء بإشراك النهضة فسيهزم في كل الانتخابات المقبلة تماما مثلما حدث للتكتّل والمؤتمر في التشريعيّة بعد تحالفهما مع النهضة..
مهما يكن من أمر إذا شاركت النهضة في الحكومة، فستتمتّع الحكومة بهدنة سياسيّة ستخدم استقرار تونس، لكن هل ستقنع الديمقراطيين والنساء والمثقفين والنّخب ببسطها يدها للنهضة؟
انّ تخليص وزارة الدّاخلية من العملاء وحلفاء العنف والارهاب، يعدّ اللبنة الأولى في إرساء نظام ديمقراطي، وأغلبية الشّعب التونسي في انتظار ذلك.